رسالة مفتوحة من أحمد بن صالح إلى الحبيب بورقيبة (ماي 1973)
أبيت على نفسي أن أصدع ببيان حقيقة الأزمة التي أشعلتها في سبتمبر 1969، وذلك اعتبارا مني أن تفسيرا اجتماعيا واقتصاديا كاف زيادة على تألب الحاشية وحقد أهل الطمع… راجعت الأحداث فتم اليقين عندي أنك مصدر الأزمة المفتعلة وما وصلت إليه من تعفن… واليوم فإني أرى من واجبي كمواطن أن أفند مزاعمك وأن أعيد إلى أذهان الناس وقائع عهد الكثير منها قريب حتى يتدعم الحق ويتدعم اقتناعهم بأني برئ مما علقت بي وأنك ارتكبت ف يحقي ما لا يغتفر دينا وتاريخا.
…اتخذت المرض تعلة أساسية لإيهام المواطنين بأنك تباشر أمور الدولة وأنه وقعت مغالطتك، وهاته التعلة غير مقولة… فقد أصابك مرض القلب في مارس 1967 وشفيت منه بعد بضعة أشهر وعدت إلى مباشرة الأمور قبل أواخر السنة نفسها.
…وجاءت سنة 1969 وكان الإصلاح التجاري قد انتهى وتكلل بالمصادقة على قانون جانفي 1969.
…لا شك في أن المواطنين لا يزالون يذكرون وما بالعهد من قدم أن كل الإطارات القومية والجهوية والمحلية اندفعوا في تنفيذ الإصلاح الزراعي إلى حد أن كل عضو في الديوان السياسي تبنى مجموعة من الوحدات الانتجاية التعاضدية للاعتناء بها وبطرق التصرف فيها وإعانتها على حل مشاكل وأي غرابة في ذلك وكل الناس يعلمون أن توجيهاتك صريحة في الموضوع، وأي غرابة إن كان هناك تململ أو معارضة فالأمر كان يتعلق بتجديد المجتمع والعلاقات البشرية والاقتصادية فيه وأي إصلاح ثوري لا تحيط به مثل هاته المعارضات أو مثل هذا التململ.
…لكن الواضح الآن أن أصحاب الأملاك الفلاحية من المسؤولين وأصحاب النوايا السياسية ما كانوا يرضون بنجاح الإصلاح فقد تربى بعهضم على استثمار الناس واغتنم البعض الآخر الاستقلال ونفوذهم السياسي « هناشر » و »سواني » اشتراها البعض من الفرنسيين بشروط لا تستجيب إلى مصالح البلاد فأخذ كل هؤلاء معتمدين على تاييد القصر يجتمعون فيها يظهر ويعدون خناجرهم للإطاحة بالتجربة وبمن دفتعه إليهم طمعا بعد أن قررت الإطاحة به.
…ويمثل موضوع خلافة بورقيبة مدخلا جيدا لفهم تحرك المجتمع السياسي في نهاية السبعينات وحتى سنة 1987، باعتبار أن جل الأزمات التي شهدتها تونس بدءا بأحداث جانفي 1978 وانتفاضة الخبز وإزاحة بورقيبة كانت محكومة، إن كثيرا أو قليلا، بخلفية مسكوت عنها وهي الارتقاء الى منصب « الخلفية الدستوري »، بما يفسر صراع الأجنحة داخل الحزب الحاكم، وتدخل وسيلة بن عمار، زوجة بورقيبة لترجيح كفة مقريبها، والتحالف مع اتحاد الشغل، فضلا عن تربص بعض القوى الخارجية، ولا سيما نظام معمر القذافي بتونس.